سورة الصافات - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{فَهُمْ على ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} من غير أنْ يتدبروا أنَّهم على الحقِّ أولاً مع ظهور كونهم على الباطل بأدنى تأمُّلٍ. والإهراعُ: الإسراع الشَّديدُ، كأنَّهم يُزعجون ويحثُّون حثًّا على الإسراع على آثارِهم وقيل هو إسراعٌ فيه شبه رعدةٍ.
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} أي قبل قومِك قريش {أَكْثَرُ الاولين} من الأمم السَّالفةِ وهو جواب قسم محذوف. وكذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} أي أنبياءَ أولي عددٍ كثيرٍ وذوي شأنٍ خطيرٍ بيَّنوا لهم بُطلانَ ما هم عليه وأنذرُوهم عاقبته الوَخِيمَةِ وتكريرُ القَسَمِ لإبراز كمالِ الاعتناء بتحقيقِ مضمونِ كلَ من الجملتين {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} من الهول والفظاعةِ لمَّا لم يلتفتُوا إلى الإنذار ولم يرفعُوا له رأساً. والخطابُ إمَّا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أو لكلِّ أحدٍ ممَّن يتمكَّنُ من مشاهدة آثارِهم وحيث كان المعنى أنَّهم أُهلكوا إهلاكاً فظيعاً استُثني منهم المُخلصون بقوله تعالى: {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي الذين أخلصَهم الله تعالى بتوفيقهم للإيمان والعملِ بموجب الإنذارِ. وقرئ: {المخلِصين} بكسر اللاَّم، أي الذين أخلصُوا دينَهم لله تعالى.
{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} نوعُ تفصيلٍ لما أُجمل فيما قبل ببيان أحوال بعض المرسلين وحسنِ عاقبتهِم متضمِّنٍ لبيان سوء عاقبة بعض المُنذرين حسبما أُشير إليه بقوله تعالى: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} كقوم نوحٍ وآل فرعونَ وقوم لوطٍ وقوم إلياسَ ولبيان حُسن عاقبةِ بعضهم الذين أخلصُهم الله تعالى ووفَّقهم للإيمان كما أشار إليه الاستثناء كقوم يونسَ عليه السَّلامُ ووجه تقديم قصَّةِ نوحٍ على سائر القصص غنيٌّ عن البيان. واللاَّمُ جواب قسم محذوفٍ وكذا ما في قوله تعالى: {فَلَنِعْمَ المجيبون} أي وباللَّهِ لقد دعانا نوحٌ حين يئسَ من إيمان قومه بعدما دعاهُم إليه أحقاباً ودُهُوراً فلم يزدهم دعاؤه إلا فراراً ونُفوراً فأجبناه أحسنَ الإجابةِ فواللَّهِ لنعم المُجيبون نحن فحُذف ما حُذف ثقةً بدلالة ما ذُكر عليه والجمع دليلُ العظمةِ والكبرياءِ.
{ونجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} أي من الغَرقِ وقيل من أذيةِ قومه.


{وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} فحسب حيثُ أهلكنا الكفرة بموجب دعائه {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الارض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} وقد رُوي أنَّه ماتَ كلُّ من كانَ معه في السَّفينةِ غير أبنائه وأزواجهم أو هم الذين بقوا مُتناسلين إلى يوم القيامة. قال قتادة: النَّاسُ كلُّهم من ذُرِّيةِ نوحٍ عليه السَّلامُ وكان له ثلاثةُ أولادٍ سامٌ وحامٌ ويافثٌ، فسامٌ أبُو العربِ وفارسَ والرُّومِ، وحامٌ أبُو السودانِ من المشرق إلى المغربِ ويافثٌ أبو التُّركِ ويأجوجَ ومأجوجَ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاخرين} من الأمم {سلام على نُوحٍ} أي هذا الكلامُ بعينه وهو واردٌ على الحكاية كقولك قرأتُ سورة أنزلناها والمعنى يُسلِّمون عليه تسليماً ويدعُون له على الدَّوام أمَّةً بعد أمَّةٍ. وقيل ثمة قولٌ مقدَّرٌ أي فقلنا وقيل ضُمِّن تركنا معنى قلنا. وقوله تعالى: {فِى العالمين} متعلِّقٌ بالجارِّ والمجرورِ. ومعناهُ الدُّعاء بثباتِ هذه التَّحيةِ واستمرارِها أبداً في العالمين من الملائكة والثَّقلينِ جميعاً. وقوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليلٌ لما فُعل به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ من التَّكرمةِ السَّنيةِ من إجابةِ دُعائهِ أحسنَ إجابةٍ وإبقاء ذُرِّيتهِ وتَبقيةِ ذكره الجميلِ وتسليم العالمين عليه إلى آخرِ الدَّهرِ بكونه من زُمرة المعروفين بالإحسان الرَّاسخينَ فيه وأنَّ ذلك من قبيل مُجازاة الإحسانِ بالإحسانِ وذلك إشارة إلى ما ذُكر من الكرامات السَّنيةِ التي وقعتْ جزاءً له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وما فيه من معنى البُعد مع قُربِ العهد بالمشارِ إليه للإيذانِ بعلوِّ رُتبته وبُعد منزلتهِ في الفضل والشَّرفِ. والكافُ متعلِّقةٌ بما بعدها أي مثلَ ذلك الجزاءِ الكامل نجزِي الكاملينَ في الإحسانِ لا جزاءً أدنى منه. وقوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} تعليل لكونهِ من المحسنين بخلوصِ عبوديته وكمال إيمانه وفيه من الدِّلالةِ على جلالة قدرهما ما لا يخفى. {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاخرين} أي المغايرين لنوحٍ وأهله وهُم كُفَّارُ قومه أجمعين. {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} أي ممَّن شايعه في أصول الدِّينِ {لإبراهيم} وإنِ اختلفتْ فروعُ شرائعهما. ويجوزُ أن يكون بين شريعتيهما اتِّفاقٌ كليٌّ أو أكثر. وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: من أهل دينهِ وعلى سنَّتهِ أو ممَّن شايعه على التَّصلُّبِ في دينِ الله ومصابرةِ المكذِّبين وما كان بينهما إلا نبيَّانِ هما هودٌ وصالحٌ عليهم الصلاة والسلام وكان بين نوح وإبراهيمَ ألفانِ وستمائةٍ وأربعون سنةً.


{إِذْ جَاء رَبَّهُ} منصوب باذكُر أو متعلِّقٌ بما في الشِّيعةِ من معنى المُشايعةِ {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أي من آفات القلوب أو من العلائقِ الشَّاغلةِ عن التَّبتلِ إلى الله عزَّ وجلَّ. ومعنى المجيء به ربَّه إخلاصُه له كأنَّه جاء به متحفاً إيَّاهُ بطريق التَّمثيلِ {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} بدلٌ من الأولى أو ظرفٌ لجاء أو لسليمٍ أي أيَّ شيء تعبدونه {أَئِفْكاً ءالِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} أي أتريدون آلهةً من دون الله إفكاً أي للإفكِ فقدَّم المفعولَ على الفعل للعنايةِ ثمَّ المفعولَ له على المفعولِ به لأنَّ الأهمَّ مكافحتُهم بأنَّهم على إفكٍ وباطل في شركهم. ويجوزُ أن يكونَ إفكاً مفعولاً به بمعنى أتريدون إفكاً ثم يفسَّر الإفكُ بقوله آلهةً من دون الله دلالةً على أنَّها إفكٌ في نفسها للمبالغةِ أو يراد بها عبادتُها بحذفِ المضافِ، ويجوزُ أنْ يكون حالاً بمعنى آفكينَ {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبّ العالمين} أي بمن هو حقيقٌ بالعبادة لكونه ربًّا للعالمين حتَّى تركتُم عبادته خاصَّةً وأشركتُم به أخسَّ مخلوقاته أو فما ظنُّكم به أي شيء هو من الأشياء حتى جعلتُم الأصنام له أنداداً أو فما ظنُّكم به ماذا يفعل بكم وكيفَ يعاقبكم بعدما فعلتُم من الإشراكِ به {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النجوم} قيل كانت له عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حُمَّى لها نوبةٌ معيَّنةٌ في بعض ساعات اللَّيلِ فنظر ليعرفَ هل هي تلك السَّاعةُ فإذا هي قد حضرتْ {فَقَالَ إِنّى سَقِيمٌ} وكان صادقاً في ذلك فجعلَه عُذراً في تخلُّفهِ عن عيدهم وقيل أرادَ إنِّي سقيمُ القلبِ لكفرِكم وقيل نظر في علمِها أو في كتبها أو في أحكامها ولا منعَ من ذلك حيثُ كان قصدُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إيهامَهم حين أرادُوا أنْ يخرجُوا به عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى معبدِهم ليتركُوه فإنَّ القومَ كانوا نجَّامين فأوهمهم أنَّه قد استدلَّ بأمارةٍ في علم النُّجوم على أنَّه سقيمٌ أي مشارف للسقمِ وهو الطَّاعُونُ وكان أغلبَ الأسقامِ عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرَّقوا عنه فهربُوا منه إلى معيدِهم وتركوه في بيت الأصنامِ وذلك قوله تعالى: {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أي هاربين مخافةَ العَدْوى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8